responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 590
وَكَذَا الْقَوْلُ الْحَسَنُ لِلنَّاسِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ أَخْذَ الْمِيثَاقِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّهُمْ عَلَى التَّوَلِّي عَنْهُ وَذَلِكَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَالْأَمْرَ فِي شَرْعِنَا أَيْضًا، كَذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الزَّكَاةَ نَسَخَتْ كُلَّ حَقٍّ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ مَنِ اشْتَدَّتْ بِهِ الْحَاجَةُ وَشَاهَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُنَا التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا الزَّكَاةُ حَتَّى أَنَّهُ إِنْ لَمْ تَنْدَفِعْ حَاجَتُهُمْ بِالزَّكَاةِ كَانَ التَّصَدُّقُ وَاجِبًا وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ مُكَالَمَةِ النَّاسِ بِطَرِيقٍ لَا يَتَضَرَّرُونَ بِهِ.
التَّكْلِيفُ السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَنَّهُ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ التَّكَالِيفِ الثَّمَانِيَةِ، بَيَّنَ أَنَّهُ مَعَ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ بِكُلِّ ذَلِكَ لِيَقْبَلُوا فَتَحْصُلُ لَهُمُ الْمَنْزِلَةُ الْعُظْمَى عِنْدَ رَبِّهِمْ، تَوَلَّوْا وَأَسَاءُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَتَلَقَّوْا نِعَمَ رَبِّهِمْ بِالْقَبُولِ مَعَ تَوْكِيدِ الدَّلَائِلِ وَالْمَوَاثِيقِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ يَزِيدُ فِي قُبْحِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِعْرَاضِ وَالتَّوَلِّي، لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْبَيَانِ وَالتَّوَثُّقِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنَ الْمُخَالَفَةِ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ خِطَابٌ لِمَنْ كَانَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَهُودِ، يَعْنِي أَعْرَضْتُمْ بَعْدَ ظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ كَإِعْرَاضِ أَسْلَافِكُمْ، وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مَنْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ وَمَنْ تَأَخَّرَ. أَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ فَظَاهِرُ الْخَطَّابِ يَقْتَضِي أَنَّ آخِرَهُ فِيهِمْ أَيْضًا إِلَّا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ الِانْصِرَافَ عَنْ/ هَذَا الظَّاهِرِ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى سَاقَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ سِيَاقَةَ إِظْهَارِ النِّعَمِ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ بَيَّنَ مِنْ بَعْدُ أَنَّهُمْ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ بَقَوْا عَلَى مَا دَخَلُوا فِيهِ. أَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ وَهُوَ بِالْحَاضِرِينَ أَلْيَقُ وَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةٌ، وَهُوَ بِسَلَفِهِمُ الْغَائِبِينَ أَلْيَقُ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ كَمَا لَزِمَهُمُ التَّمَسُّكُ بِهَا فَذَلِكَ هُوَ لَازِمٌ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ حَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، فَيَلْزَمُكُمْ مِنَ الْحُجَّةِ مِثْلُ الَّذِي لَزِمَهُمْ وَأَنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ قَدْ تَوَلَّيْتُمْ وَأَعْرَضْتُمْ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَأَسْلَمُوا، فَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَأَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ النِّعَمِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ تَوَلَّوْا عَنْهَا كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى نِهَايَةِ قُبْحِ أَفْعَالِهِمْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ مُخْتَصًّا بِمَنْ فِي زَمَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَنَّكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ تَوَلَّوْا بَعْدَ أَخْذِ هَذِهِ الْمَوَاثِيقِ فَإِنَّكُمْ بَعْدَ اطِّلَاعِكُمْ عَلَى دَلَائِلِ صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَضْتُمْ عَنْهُ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، فَكُنْتُمْ فِي هَذَا الْإِعْرَاضِ بِمَثَابَةِ أُولَئِكَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ التولي والله أعلم.

[سورة البقرة (2) : آية 84]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى كَلَّفَهُمْ هَذَا التَّكْلِيفَ وَأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِصِحَّتِهِ ثُمَّ خَالَفُوا الْعَهْدَ فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ فَفِيهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ خِطَابٌ لِعُلَمَاءِ الْيَهُودِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ أَسْلَافِهِمْ، وَتَقْدِيرُهُ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ آبَائِكُمْ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَسْلَافِ وَتَقْرِيعٌ لِلْأَخْلَافِ وَمَعْنَى: أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ أَمَرْنَاكُمْ وَأَكَّدْنَا الْأَمْرَ وَقَبِلْتُمْ وَأَقْرَرْتُمْ بِلُزُومِهِ ووجوبه.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 590
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست